الدرس الفلسفي… ذاك الرمس المزعج! (ج1) ذ أشملال حدو، الخميسات

FNE-PHILO-PHOTO-RENCONTRE-NATIONALE-RABAT-30-1-2017 (25)أرشيف

الدرس الفلسفي… ذاك الرمس المزعج(ج1)

 

  1. في الحديث عن اللا متحدث عنه:

 أن تجد الفلسفة – أو حتى نقول الدرس الفلسفي بالمغرب بموجوداتها الفكرية، الجدلية التشكل، في بوثقة “المؤسساتي” المضمر للأنا الجمعية؛ تلك هي الفلسفة الخادمة لسلطان عين الأوس. وعينه، طبعا، لا تنام عن تأويل ما لم يستطع عليه صبرا! وبمجرى فعل المتبني لخطابها، يكون قد حكم على العقل، والذي هو الأصل في فعل التفلسف) والأصل متعدد(، على طمر الحقيقة القائلة بثبوتية الشيئ المفكر. لا مشاحة أن هذا القول قد يبدو لنون الجمع – الواحد على كثير من التناقض، إن لم أقل هذيان عصابي فاقد لوجهته. لكن الوضع – بدلالته الكونتية كثبات – يشي بما لا يسعى إليه المنطوق المفاهيمي، سطحيا، على مستوى الدرس الفلسفي بالمغرب. فعن أي “وضع بشري” يتحدث الدرس الفلسفي؟ وعن أية دولة/ حرية/ واجب/ سعادة…؟؟

  1. فــي هوة الدال عن الشيئ بعينه:

 يجد الناطق، باسم كائنات الفكر الفلسفي بالمغرب، نفسه في بوثقة تجعل من امتداده – امتداد الذي يهيم على تلقف آثار هدف هو في عمقه سراب – في بناء السؤال الفلسفي حول مشكلات فلسفية تداع يكتنفه كثير من التردد والشك )ليس بالدلالة الديكارتية(؛ فهي ‘إذن نزعة انفعالية مأبدة بسياج نوازع ثقافية، إيتيقية وبيوسياسية، وهي في الأصل اتجاهات نفسية تفرض، لماما، الدفاع عن قيم الثيولوجيا وعن المقدس ولكن بلبوس العقل، الحداثة – بدلالتها الفكرية- والخطاب المتماسك… النتيجة، أن القائل بدرس اللوغوس ينعطف من موقعية الناسوت إلى ردهات اللاهوت.

 أن نفكر بمنظار فلسفي، معناه، من حيث البدء، أن نتشرب تراث الفكر الإنساني – باختلاف مجالاته وبتناصها الإنبنائي – ومن ثمة العمل على تعميق أواليات النظر الفلسفي في نبش وتفكيك تعالقات النمط السائد اجتماعيا، سياسيا وثقافيا، بما في ذلك السؤال عن زوج، به يتعمق أساس التسلط، تفاعلهما الهجين، هو في اختلاف وتناقض منطلقاتهما: التاريخ والدين.

 افتتح الباحث دانييل لدنبرغ Daniel Lindenberg مقدمة كتابه«Le Marxisme introuvable» )طبعة 1975، كالمون ليفي( بالتساؤل عن اللا مفكر فيه على مستوى الفكر الماركسي – المرجعي )ماركس وإنجلز(؛ وفي هذا التساؤل إحقاق لما باشره ماركس، نفسه فيما قبل، من عمل فذ الموسوم بــ “الرأسمال”، كقراءة علمية للتكوينة الاجتماعية – الاقتصادية الرأسمالية. فالسعي إلى تقعيد أركان ممارسة إنسانية جريئة – سياقا مع الدرس الفلسفي – يستدعي قراءة )والقراءة هنا كاستغراق للفكر طلبا لفعل النحت والإنتاج( بنية ما يسميه كاتب “النقد المزدوج” عبد الكبير الخطيبي بـ “اللاشعور المعرفي”. بذلك، فإن تربة البراكسيس تنحو بالذات، الناطقة بخطاب اللوغوس، إلى تجاوز ثخوم التكرار والتتلمذ إلى مدار إنتاج الفكرة الثائرة )النضال النظري وفي هذا المنحى تظهر طلائعية ثقافة الأنوار المنتصرة لسلطان العقل لا النقل(. لكن هذه التربة، عينها وهذا أمر نلحظه، تتخذ من النكوص قاعدة، إن هي رغبت عن تهافت الجاهل بمنطلقاتها )والحديث، هنا، عن أنتلجنسيا أساتذة الدرس الفلسفي( فتعقل، من ثمة، ما تتغياه.

 جاء على لسان فــاوست Faust في مسرحية لــ: ج. و. جيته Johann Wolfgang Goethe:

“إذن لا بد لنا أن نخطئ

 وتبعا لذلك أن نموت؟

 أواه، لا بد لنا أن نموت موتا أبديا

 أي مذهب يسمى هذا ما سيكون، سيكون،

 ما سيحدث سيحدث؟ وداعا إذن أيها اللاهوت”

إنه فــاوست!! ذاك العالم الصغير )الأنتروبوس( التواق إلى تعميق مكامن قوته، كيفما كانت طبيعة الوسائل المتاحة لهذه المبادأة؛ وهي إرادة، بل إرادة قوة. صحيح أن الحلم – وقس على ذلك هوامات الذات – هو ركن من أركان انبناء الشيء، وفي مرحلة بعدية – وبتدرج ديكارتي – القطع الجذري مع بنية الذهن- الواقع المستعار. لكن، هذا القطع، عينه، هو استيعاب أولي لوضع عام مبنين )وهنا ينبغي التذكير بالدور التاريخي الذي لعبته الحركة الإنسية وحركات الإصلاح الديني في أوروبا في القفز على البداهات المعطاة…(؛ الثورة فيه – كنظرية وكممارسة – ممكنة بشرط أن ينسحب فاعل الخطاب عن غربته لكيانه الخاص، طلبا لوصال بينذاتي مع ممكنات وجوده. ذاك إذن، هو موضع النظرية بالممارسة؛ وما الدرس الفلسفي إلا نظر تجريبي وتبريري مبعد عن إحداثيات اكتماله…

  1. ملتقى مدرسات ومدرسي الفلسفة أو فـــي المبدأ الخلدوني: أول العمل آخر الفكرة، وآخر الفكرة أول العمل:

 تحت شعار: “تدريس الفلسفة: المهام، الرهانات والانتظارات” عقدت الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي – الملتقى الوطني الأول لمدرسات ومدرسي الفلسفة، وذلك يوم الاثنين 30 يناير 2017م، وهي مبادرة إيجابية، على درجة عالية من الثبات، لمناضلات ومناضلي الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي؛ تعني )ذات المبادرة(، من حيث البدء، وعي مناضلات ومناضلي هذا الإطار النقابي المكافح بالدور التاريخي الذي لعبته الفلسفة )رغم محاربتها لدواع بينة للعقل السيار(، إن في رحاب مدرجات الكليات أو في الفصول الدراسية أو في الإطارات المنظمة، في تحوير جانب من البداهات والثوابت الجاهزة – والتي لا زالت عالقة لشروط معروفة – والقفز عنها بوعي علمي بواقع المجتمع المغربي كواقع شديد التركيب. وهي مبادرة، من جهة ثانية، أعادت التأكيد، بشكل ضمني، على الدور الفاعل الذي من الممكن أن تضطلع به الفلسفة هنا- الآن بفاعليها – مدرسات ومدرسين/ مناضلات ومناضلين – في مرحلة نلاحظ فيها تعمق أسس الفكر المختنق الذي لا يفكر، بل يلجم النطق بـ :الأنا المفكر…!

 لنتجاوز القول أن الفكر الفلسفي، هو فكر نقدي وتفكيكي للكل حتى لذاته هو )الميتا فلسفة(؛ فهذا أمر لا غبار عليه أو المحاججة في أسسه. لكن، لنا الحق في التساؤل: هل يتوفر شرط أستاذ(ة) الفلسفة الحامل (ة) لهم وقلق السؤال وهاجس التغيير، أم أنه لا يتعدى كونه رقم أجوف من أرقام التأجير ذات الطبيعة الإستلابية؟ ما هي مهامنا الحقيقية كأساتذة الفلسفة هنا – الآن؟ هل تنحصر فقط في تنوير المجتمع المدني كما جاء في البيان الختامي؟ وما طبيعة هذا التنوير؟ ولأية فلسفة يستند؟ ألا تحمل مقولة “المجتمع المدني” ضمنا فهما انتكاسيا للدور الطلائعي )الثوري( الذي يفترض أن تضطلع به الفلسفة في ردهات الصراع القائم بالمجتمع المغربي؟ ولنفترض جدلا، أن الفلسفة تقوم بهذا الدور حاليا (تنوير المجتمع المدني وهو أمر تضطلع به الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بمبرراتها البرودونية وبحضورها الموجه ذو الخلفية الهيغيلية وبمظاهر تفكيرها المحصورة في حدود تفكيك الهوامش وتعميق الثوابت)، فما رهانات وآفاق ذلك؟ أي إنسان وأي طبقة اجتماعية نستهدف من وراء هذا التنوير؟ وما التنوير المتحدث عنه؟ وما هي ميكانيزمات ذلك…؟؟؟

 هي أسئلة، وأخرى لا داعي للاستفاضة في طرحها، ليس القصد منها تقزيم مبادرة مناضلات ومناضلي الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي، بل نبتغي من ذلك بلورة رؤية نظرية متسقة، وعلى كثير من اليقظة، مع باقي مناضلات ومناضلي الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي، في وضع الأرضية الصلبة القمينة بممارسة فلسفية لها امتداد ثابت وحقيقي في الواقع الاجتماعي بهذا الوطن الجريح. المعنى من ذلك، لا ينبغي الارتكان، بوعي أو بدونه، إلى مقولة مارغريث تاتشر: “ليس هناك من حل بديل”، ومن ثمة الثبات على قاعدة تفسير الوضعيات )النقاش المطول حول مقرر منار للتربية الدينية للسنة الأولى باك على سبيل الحصر( بشكل تجريبي فاقد لمنطلقات القراءة الجدلية والتاريخية للواقع المادي… فكل شيء يرقد لتستأنف المهزلة كما جاء على لسان محمد زفزاف…!.

فـي البدء النضـــال النظـري!

 كتب مهدي عامل يقول: “يخطئ من يظن أن العلاقة بين الثقافة النظامية والثقافة الهامشية هي نفسها العلاقة بين إيديولوجية الطبقات المسيطرة وإيديولوجية الطبقات الكادحة. فالثقافة النظامية لا تنحصر في إيديولوجية البرجوازية المسيطرة. إنها، بالعكس، تضم، في إطار واحد، هذه الإيديولوجية ونقيضها الطبقي أيضا، (…) من يخالف فكر “النظام السائد” أو فكر “النظام” المعارض، “يقطع” لسانه. وتسييس الكلام المدني على هذا المستوى، يؤدي إلى أن يأخذ النظام دور الملقن، ويأخذ المواطن دور المتلقن… “)مهدي عامل: نقد الفكر اليومي. الطبعة الثانية 1989 دار الفارابي، ص 62-63 (.

إن بؤرة هذا القول، وعلاقة بالمنحى الأولي (الإيجابي طبعا) الذي اتخذه ملتقى مدرسات و مدرسي الفلسفة، يستدعي بشكل لا يدع أي مجال للتردد إلى العمل الآني على وضع الأبجديات الأولى، وقد تمت الإشارة إلى بعضها في البيان الختامي، والتي ينبغي، وبكثير من الالتزام والانضباط النضاليين، الأخذ بضرورة تكوين مناضلات ومناضلي الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي، بشكل يسمح بجدلية الفكرة (الملتقى) بالممارسة؛ سواء أكانت ممارسة تنظيمية في صفوف مناضلات ومناضلي الجامعة، أو ممارسة فاعلة من داخل حقول الصراع بدءا “بالمؤسسات التعليمية والتربوية” كأجهزة إيديولوجية إلى مجالات الصراع الأخرى…

فلـنـــكن مزعجين ومشككين…!

عاشت الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي

الخميسات في: 7 فبراير 2017م

*أشمـــلال حــدو*.

التعليقات مغلقة.