نداء وزارة التربية الوطنية: نداء استغاثة أم هروب إلى الأمام؟ إعداد: د. محمد الدريج

نداء وزارة التربية الوطنية: نداء استغاثة أم هروب إلى الأمام؟

إعداد: د. محمد الدريج

أستاذ باحث في علوم التربية– جامعة محمد الخامس

أصدرت كما هو معلوم، وزارة التربية الوطنية مؤخرا، نداء إلى الباحثين والمختصين والخبراء في الحقل التعليمي، للمساهمة بأبحاث ودراسات تتناول القضايا التربوية، مع التركيز فيها على تقديم مقترحات /حلول عملية بناءة وكفيلة بتطوير المنظومة التربوية.

يقول النداء والذي نشر على نطاق واسع: “تنفيذا لما ورد في الخطاب الملكي السامي ليوم 20 غشت 2012، وسعيا من الوزارة لترسيخ المقاربة التشاركية، فإنها تدعو جميع المختصين والخبراء والباحثين والهيئات المهتمة بالحقل التعليمي، إلى المساهمة بأبحاث أو دراسات تتناول القضايا التربوية، مع التركيز فيها على تقديم الحلول الناجعة والاقتراحات العملية البناءة الكفيلة بتطوير المنظومة التربوية.

و الوزارة إذ تذكر بأنها تتوفر على تشخيص دقيق لوضعية المنظومة وخاصة الجوانب المتعلقة بالاكتظاظ، والفائض والخصاص وإشكالية الأقسام المشتركة وهشاشة بعض البنيات التحتية في العالم القروي والهدر المدرسي والوضعية المادية والمعنوية لنساء ورجال التعليم، فإنها تدعو كافة المختصين والباحثين، إلى إرسال مساهماتهم، التي يجب أن تخلو من تشخيص الجوانب السالفة الذكر، إلى الوزارة وذلك عبر البريد العادي، مع التأكيد على أن الوزارة ستعمل على نشرها وجمعها في كراسات وسيتم عرضها لاحقا على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في حلته الجديدة وفق دستور المملكة.”

وبعد قراءة متمعنة لهذا النداء، نقدم عليه جملة من الملاحظات الأولية، على أن نعود إلى الموضوع وإلى إشكالية الإصلاح بشكل مفصل في دراسات لاحقة:

1 – تلمسنا في هذا النداء، وهو سابقة في بلادنا، بداية حسنة لخلق نوع من التواصل وتعزيز سبل التعاون بين وزارة التربية الوطنية والخبراء /الباحثين والمتخصصين في علوم التربية، والذين تجاهلتهم الوزارة ،بل وتجاهلت نتائج البحث التربوي عموما وأعمال الكليات ومؤسسات التكوين ومجموعات البحث وتوصيات المؤتمرات…، لعقود طويلة، مفضلة التعامل مع مكاتب الدراسات، خاصة منها المكاتب الأجنبية التي كانت تجني أرباحا طائلة على حساب الخبراء والباحثين المغاربة والذين كانت هي بدورها (أي المكاتب ) تستنزف طاقاتهم وخبرتهم ومعرفتهم بالحقل التعليمي وبسياقه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي…، مقابل تعويضات هزيلة.

2- وكما هو معلوم، فإن الكثير من الدراسات العلمية والاستطلاعية منها على وجه الخصوص، تستعمل مثل هذه الوسائل في جمع المعطيات (أفكار، آراء، مواقف… ) وتلجأ إلى توظيف الهاتف أو الصحافة او البريد ومؤخرا البريد الالكتروني… لكن هذا الأسلوب وكما هو معلوم في مجال البحث العلمي، لابد ان تتوفر فيه بعض الشروط والقواعد منها على سبيل المثال ،وضوح الأهداف وضبط الفئة أو الفئات المستهدفة والتأكد من توصلها بأداة البحث (الاستمارة…) والتي ينبغي ان تكون أسئلتها واضحة ومحددة ولا تقبل التأويل ومرفوقة ببرتوكول ملئها والجواب عن أسئلتها مع تحديد لشكل الإجابات وحجمها… كما يهيأ واضعو مثل هذه الاستطلاعات قوائم التفريغ والتي تستعمل في تجميع وتنظيم الآراء والمقترحات، ثم تحليلها واستخلاص النتائج… ولا شيء من هذا وغيره من أساسيات البحث العلمي، يتوفر في نداء وزارة التربية الوطنية.

3- من الملاحظات التي أثارت انتباهنا في هذا النداء، هو أنه موجه حصريا للخبراء والباحثين، جميل.. فرأيهم مهم جدا، لكن هذا يستثني بشكل آلي وغير معقول، بقية شرائح المجتمع المعنية بالإصلاح والمدركة لمشاكل التعليم وسبل حلها، ونذكر منها على سبيل المثال القطاعات الحكومية الأخرى ذات الصلة ( التكوين المهني، الشؤون الاجتماعية، الشؤون الدينية…) المقاولات، النقابات، جمعيات المدرسين والآباء والمشرفين والإداريين التربويين… إلخ. فهل يراد من هذا النداء الالتفاف على المشاركة الحقيقية والإيجابية لكل الفاعلين في القطاع والمعنيين (المكتوين) بقضاياه ومشاكله؟ ثم ألم يحن الوقت ولم تتوفر الظروف الملائمة، لعقد مناظرة وطنية ؟ أم النداء هو وقاية مسبقة لما يمكن ان يوجه للوزارة من نقد وما يمكن أن يعاب عليها من كونها ” تتخذ قرارات فردية ومتسرعة ومرتجلة” في قضايا وطنية مصيرية؟ وهل سيعوض هذا الإجراء الغريب، توفير ظروف حوار وطني لإصلاح منظومة التعليم والتكوين ببلادنا؟

4- كيف يمكن للخبراء ان يقدموا اقتراحات دون أن يشخصوا هم أنفسهم الوضعية أو على الأقل دون ان تمكنهم الوزارة من نتائج التشخيص، الذي تقول وحسب منطوق النداء، أنها قامت به وتعرف خباياه، وأنها ” تتوفر على تشخيص دقيق لوضعية المنظومة”.

إن العلاج يرتبط أساسا بالتشخيص. فإذا قلنا على سبيل المثال، “غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح والتغيير”، أو”عدم التوفر على فلسفة تربوية واجتماعية واضحة”… فذلك يتطلب بالضرورة، العمل والاجتهاد وربما النضال…، حتى تتوفر تلك الإرادة وهذه الفلسفة. وإذا قلنا على سبيل المثال كذلك (ومع العديد من الهيآت النقابية والسياسية) ” إن أزمة التعليم أزمة مجتمع بأكمله وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف”… .، وأن “أول خطوة ينبغي تحقيقها قبل الحديث عن إصلاح التعليم ،هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة في الإدارة ،والقضاء على كل مظاهر الفساد، وسرقة المال العام، وغياب المحاسبة والمراقبة… “، فكل هذه “التشخيصات” وغيرها كثير، تستدعي بالضرورة إجراءات ومقترحات ملائمة. فماذا سنقترح؟

5- وكيف يمكن للباحثين تقديم مقترحات وحلول وهم لا يطلعون على الكثير من الحقائق وليست لديهم المعطيات المضبوطة والإحصاءات الدقيقة ولا يتوفرون على نتائج الافتحاص والتقويم والمحاسبة… والتي من المفروض ان تكون الوزارة ( وأطراف أخرى محايدة… ) قد حصلت عليها، مما أجرته على مشاريع الإصلاح السابقة وخاصة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج ألاستعجالي. تلك النتائج التي ما لبث المهتمون بالشأن التعليمي يطالبون بالاطلاع عليها، حتى يتبينون بفضلها التشخيص الدقيق بالأسباب الحقيقية وراء الأزمة وبعوامل الخلل في التسيير والتدبير الإداري والمالي والبيداغوجي… (وليس فقط نتائج الافتحاص الذي يقوم به على سبيل المثال، المجلس الأعلى للحسابات لبعض المصالح الجهوية والتي يمكن ان تتذرع وتتستر وراء نتائجها المصالح المركزية في الوزارة… ).

6- كيف يمكن للخبراء المشاركة في هذا الاستطلاع والاستجابة لهذا النداء (نذكر بان الوزارة لم تتوصل لحد الآن أي 18 أكتوبر، سوى ب10 مساهمات فقط ) والمعطيات التي تقدمها الوزارة، إما ناقصة أو متناقضة. نأخذ على سبيل المثال تصريح الأستاذ محمد الوفا وزير التربية الوطنية، أمام اللجنة البرلمانية المختصة بالتعليم والثقافة والتواصل، حيث أعلن عن فشل البرنامج الاستعجالي، قبل ان تتراجع الوزارة وتحذف كلمة فشل من بلاغها حول نفس الموضوع يومين بعد تصريح السيد الوزير.والذي ذكر فيه بأن بعض الأكاديميات لم تطبق من هذا البرنامج الاستعجالي سوى خمسة (5) في المائة.

كما ذكر السيد الوزير أن أسباب الفشل تعود لانعدام المقاربة التشاركية، علما بان الوزارة لم تتوقف في المدة الأخيرة عن إصدار القرارات ،دون أن تنتظر نتائج “النداء ” ،مثل إلغاء بيداغوجية الإدماج، القرار حول التدريس في القطاع الخاص، وتدبير الزمن المدرسي… دون دراسات جدية وتقويم موضوعي محايد ودون مشاركة الفاعلين الأساسيين في القطاع.

كما تحدث السيد الوزير في تصريحه أمام اللجنة البرلمانية، عن انعدام المقاربة التعاقدية وخلل في التدبير المالي… إذن ما نستنتجه ضمنيا من هذا الحديث ،هو أن الفشل ليس فشل البرنامج الاستعجالي وعدم صلاحيته في حد ذاته ولكن الفشل هو فشل في التنزيل والتطبيق ليس إلا. فهل سنلتزم بهذا “التشخيص” في وضع مقترحات الحلول؟

لكن ليس هذا هو المشكل ،المشكل هو في تناقض التصريحات وتضارب المعطيات. ذلك أن الوزارة في أكتوبر من السنة الماضية وفي معرض جوابها عن سؤال آني لفرق برلمانية، قالت بالحرف الواحد، بأن البرنامج الاستعجالي “نجح وبعد سنتين من العمل به، في تحقيق 85 في المائة من أهدافه”، فمن نصدق؟ وبمن نثق؟ وماذا سنقترح؟.

7- تقول الوزارة بأنها تلتزم بنشر “المساهمات ” التي ستتوصل بها… كيف ذلك ومتى؟ هل سيتم النشر في مجلة الوزارة أم على موقعها الالكتروني أم في كراسات ومجلدات؟ وهل ستوزع تلك “الكراسات”؟ وعلى أي نطاق؟ وعلى من؟ ولغاية ماذا؟ وما هي المعايير؟ ( معايير اختيار المقترحات والحلول الملائمة) وهل هناك لجنة للقراءة سيتم الإعلان عنها؟ ومن سيقرر في أحسن وأجود وأفيد… مقترح للإصلاح والذي ستثبت عليه الوزارة وتتبناه؟ علما بان الوزارة ستتوصل بالغث والسمين، بالطويل والقصير، بالجدي والأقل جدية… ما دامت أسئلة النداء من النوع “المفتوح”؟ وموجهة لكل الخبراء والباحثين التربويين (وربما بدون تحديد) في جميع الجهات والأقاليم؟ إننا نطرح السؤال فحسب.

8 – وأخيرا وليس آخرا، كيف تشرع وزارة التربية الوطنية في إجراءات… وفي جمع معطيات وتوفير نتائج بحوث “هلامية”… لتعرضها، كما تقول، على المجلس الأعلى للتعليم والذي سيتم إحداثه ( ربما هذه السنة وربما السنة القادمة) في صيغته الجديدة كمؤسسة دستورية مستقلة؟ فهل هي بداية لرسم أسلوب عمل المجلس و”تفكيره” وتوجيه ما ينبغي ان يقوم به… ؟ أليس في هذا تطاول ووصاية على هذا المجلس والشروع في إجراءات التبني –الكفالة، حتى قبل أن يخلق ويرزق؟ إننا نطرح السؤال فحسب.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.