الإصلاح المرتقب بتدابير معطوبة، حميد الطاهري، تازة

حميد الطاهري أ-ت-إ م/م سيدي بوسالم – مناضل الجامعة الوطنية للتعليم FNE – التوجه الديمقراطي – نيابة تازة – 2 ماي 2015
hamid-tahiri-taza-fne
يحظى قطاع التربية والتكوين، على مستوى الخطاب الرسمي بأقصى “العناية” و”الاهتمام” على مستوى كل مؤسسات الدولة، والجماعات الترابية، ومؤسسات التربية والتكوين نفسها، وكل الأطراف ذات الصلة، والشركاء المعنيين، تخطيطا وإنجازا وتتبعا وتقويما وتصحيحا، طبقا للمسؤوليات والأدوار المحددة ضمن الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي تضمن ستة مجالات موزعة على تسعة عشرة دعامة للتغيير، لكن سرعان ما أبانت العشرية الأولى (2009ـــ2000) عن قصور في التطبيق أو محدودية النتائج المسطرة ليطل علينا البرنامج الاستعجالي (2009ـــ2012) بمجالاته الأربع وبمشاريعه السبعة والعشرون، والذي بدوره فشل فشلا ذريعا في تقديم أي نجاح للمنظومة التعليمية.
إلا أن السياق السياسي لهذه المرحلة أبى إلا أن يجهض هذا الجنين قبل اكتمال نموه المشوه، حيث كانت النتائج المرتقبة والأرقام المتوخاة بعيدة عن التحقيق.
وبعد إقرار الدراسات التقويمية الوطنية والدولية بوضعية منظومة التربية والتكوين المتأزمة، أصبحت الحاجة ماسة إلى ملحاحية إصلاح جذري للنظام التعليمي الحالي.
لهذا الغرض انخرط المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تقييم حصيلة تطبيق الميثاق الوطني، واستشراف آفاق تأهيل وتطوير المنظومة، انطلاقا من تصور أولي متمثل في تقرير 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025 ومن دستور 2011…، ولقد تم تجاوز مرحلة التشخيص والتحليل لتنطلق مرحلة بلورة التدابير ذات الأولوية التي تمثلت في ثلاثة وعشرون تدبيرا ضمن تسعة محاور.
لكن حتى وإن تطرفنا في التفاؤل ونزعنا النظارات السوداء، فالنتائج على ما يبدو لن تكون إلا كسابقاتها للاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول:
فيما يتعلق بالتدبير الأول المتمثل في مسارات تعلم جديدة للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي، لن نصل بمتعلم متمكن من المعارف الأساسية دون اعتماد مبدأ التخصص في تدريس المواد، ناهيكم عن استمرار الأقسام المشتركة في أغلب الوحدات المدرسية.
الاعتبار الثاني:
تقوية اللغات الأجنبية بالثانوي الإعدادي، هل يمكن لتغيير نموذج التعلم أن يوتي أكله؟، لكن مع متعلم لا يرى اللغة الفرنسية إلا عند السنة الثالثة من التعليم الابتدائي (المستوى الثاني بشكل محتشم) فهذا ضرب من المحال، فما بالكم باللغة الأجنبية الثانية (التي تعرف خصاصا مهولا في الموارد البشرية…).
الاعتبار الثالث:
التعلم في وضعية دالة يصل بالمتعلم إلى مستوى تمكن جيد، هذا ما يمكن أن يحققه التدبير الخامس الوارد بالمحور الثالث، لكن هذه الوضعيات الدالة، هل هي داخل أوراش النجارة والحدادة؟… التي ربما سيحين وقتها عند الثانوي الإعدادي والتأهيلي عوض التعليم الابتدائي الذي من مهامه الرئيسية تمكين المتعلم من التعلمات الأساسية قبل أن نسرق طفولته منه ونزج به في التشغيل المبكر قبل سن 18 سنة.
الاعتبار الرابع:
التوجس الحاصل لدى نساء ورجال التعليم، وكل المهتمين بالشأن التعليمي، واعتبارهم لما سطر في الميثاق والبرنامج الاستعجالي وما يسطر الآن في اللقاءات التشاورية، فقط حبر على ورق ومجرد شعارات، قد يكون نابعا من غياب مصطلحات من قبيل بناء أو إحداث أو إنشاء مؤسسات تعليمية في المحور الخامس المتعلق بتطوير العرض المدرسي، اللهم في التدبير المتعلق بتوفير بديل للفرعيات المدرسية عبر إحداث المزيد من المدارس الجماعاتية، نجد تعويض البناء المفكك غير الصحي لكنه يبقى فقط تعويضا وليس إضافة (ولاعتبارات صحية يعلمها الجميع).
فهل التخفيف من الاكتظاظ بالأقسام الدراسية سيتم بهذا الإجراء وفقط، أم ببناء وإحداث مؤسسات تعليمية، هذا إن كانت الدولة لا تعتبر قطاع التعليم قطاعا غير منتجا، يثقل كاهل الدولة، وعليها العمل على خوصصته رويدا رويدا كما تملي عليها ذلك الدوائر المالية الموجهة لكل ما يسمى بإصلاحات قطاع التعليم.
الاعتبار الخامس:
اعتبر الميثاق الوطني التعليم الخصوصي شريكا أساسيا إلى جانب الدولة في النهوض بقطاع التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته.
ولهذا الغرض تقررت تدابير تحفيزية لتسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم كاعتماد آليات لاقتناء الأراضي بشروط تفضيلية وتمويل كلفة الاستثمار، تحمل جزء من تكاليف البناء، الإعفاء من الضرائب….
وفي نفس التوجه سينحى الإصلاح المرتقب، حيث اعتبر المدارس الخصوصية مدارس شريكة في محور تطوير العرض المدرسي إلا أن هذا الشريك مخيب للآمال في مجالات عدة منها:
– المجال التربوي: يشجع بصورة واضحة النفخ في نقط المراقبة المستمرة مما ينعكس سلبا على تكافؤ الفرص بخصوص ولوج المعاهد العليا التي تعتمد الانتقاء الأولي من خلال كشف النقط.
– المجال المقاولاتي: غياب رقابة الدولة على الأسعار وعدم تحديد سقف مصاريف التمدرس، كما يسجل غياب رقابة الدولة على احترام قانون الشغل لتضيع بذلك جل حقوق الشغيلة التي من المفترض أن يتمتع بها الأجير في هذا القطاع، القطاع الذي ينبغي أن يغلب فيه الحس الوطني على الحس المقاولاتي.
الاعتبار السادس:
حدد الميثاق الوطني في دعامته الرابعة وبالضبط المادة 61 الأهداف المتوخاة من التعليم الأولي ومنها ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة، منذ سن مبكرة.
وجاء أول مشروع في أول مجال بالبرنامج الاستعجالي بتطوير التعليم الأولي، ومن ضمن التدابير ذات الأولوية في الإصلاح المرتقب تدبير التعليم الأولي حيث حدد الهدف في التنظيم وتحسين جودة الخدمات المقدمة دون التطرق إلى تكافؤ الفرص الذي يذكرنا في الطفل القروي المنتمي للمغرب العميق الذي يلج التعليم الابتدائي دون أن يتمكن من إمساك القلم قبل ذلك، فبالأحرى أن ينمي مهاراته الحسية الحركية والمكانية والزمانية والرمزية والتخيلية والتعبيرية.
أما الطفل بالمجال الحضري فحضه في ذلك مرتبط بالقدرة المادية لأوليائه، فالعروض متوفرة من الكتاتيب القرآنية بأبخس الأثمان إلى المؤسسات المتخصصة في هذه الفئة العمرية بأثمان قد تقبلها ما تسمى “الطبقة المتوسطة” على مضض.
الاعتبار السابع:
لا يمكن الحديث عن التأطير التربوي دون التطرق إلى التكوين الأساس والتكوين المستمر ودون إغفال التكوين الذاتي الذي من شأنه أن يرقى هو الآخر بالأداء المهني خصوصا إذا تم الربط بين هذا الأخير والأجور.
كما لا يمكن الحديث عن التأطير التربوي دون التطرق إلى “جهاز التفتيش” أو المشرفين التربويين وهذا ما أغفل في التدابير ذات الأولوية لتتم الاستعاضة عن ذلك بـ “الأستاذ المصاحب”. وكأن النقص الحاد في أطر التفتيش لا يمثل نقطة سوداء في منظومتنا التربوية.
الاعتبار الثامن:
ما سمي بالتدبير والتسيير في المجال الخامس من الميثاق سمي بالحكامة في الإصلاح المرتقب والتدابير ذات الأولوية، إلا أن المنتظر الآن، هو النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، فهل فعلا سيستجيب لتطلعات الشغيلة التعليمية بتحسين الوضعية الاجتماعية للمدرسين، والاعتراف باستحقاقاتهم ومراجعة القوانين المتعلقة بالانتقال والحركية وكذا العمل بالعقدة، والتعويض عن العالم القروي والإحجام عن التفكير في رفع سن التقاعد.
لن يتسنى ولن يتسنى لنظام التربية والتكوين إنجاز الوظائف المعهودة إليه على الوجه الأكمل، إلا بالعمل على وضع المتمدرس فوق كل اعتبار، وأن يرد الاعتبار للمدرس الذي ضاع منه منذ عقــــــــــــــــــــــــود (الاعتبار).

اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.