الاستثمار في الجهل… وسيلة للدحر الطبقي، حمزة الشافعي أفانور/تنغير

الاستثمار في الجهل وسيلة للدحر الطبقي

في المغرب، منع الموظفين خاصة هيئة التدريس بقرارات وتصريحات مستمدة من “العبث المنهجي” استثمار في الجهل لصالح طبقة ونخبة قليلة تصارع من أجل الاستمرار في الهيمنة وتأمين والتحكم في آلياتها. والمقصود بالعبث المنهجي هو ذلك التخبط والضبابية واللارؤيا التي يمارسها بعض المسؤولين فيما يخص شرعنة منع متابعة الدراسة سواء كان منعا مكتوبا (سحب التراخيص) أو تصريحا عبثيا (تصريح رئيس الحكومة الرابط بين الترخيص بمتابعة الدراسة والغياب عن العمل) عن وعي وإدراك بغية “الإستبغال” الإعلامي الممنهج للرأي العام.

لا مراء في أن أمر المنع بمتابعة الدراسة أبعد من أن يكون من أجل تفادي ظاهرة غياب الموظفين الصغار عن عملهم بحكم وجود آليات المراقبة القانونية والإدارية تضمن استفادة التلاميذ من حقهم في الحصص الدراسية. فبحكم تنامي أعداد الموظفين الصغار وعدم انتماءهم إلى الطبقة القليلة المتحكمة ونظرا لتضاعف معاناتهم المادية والنفسية في ظل حكومة ذات مرجعية’ الإسلام السياسي الوصولي ‘و التي لا تفرق بين “الزكاة” الإيجابية كركن محكوم بضوابط وشروط محددة وبين “الزيادات” السلبية الصاروخية القسرية والعبثية (الأسعار، سن التقاعد، الإحباط، التذمر …) ، فقد فطنت الطبقة القليلة المتحكمة إلى مغزى “من يمتلك ويتحكم في المعرفة يهيمن على الاقتصاد والثقافية والسياسة والنفسية والتمثلات” فاستثمرت في طلب العلم وحاولت جاهدة منع سبله عن من لا ينتمي إليها بينما لا زالت الطبقة العريضة المسيطر عليها تنتشر في المقاهي للقهقهة ولانتشاء كؤوس الشاي الممزوجة بنكهة الجهل وهي في كامل قواها الإدراكية أن مصيرها التراجيدي مقدمته “الهشاشة” وخاتمته “السحق” و” الدحق” و”الدحر” الطبقي!

امتلاك والهيمنة على وسائل الإنتاج من طرف طبقة وانعدامها لدى طبقة أخرى) بعد حرمانها طبعا بشتى الطرق الميكيافلية والعبثية ( يفتح الباب على مصراعيه لبروز صراعات طبقية تشتد حدتها كلما تباعد طرفي معادلتها: “التملك والقابلية والقدرة على الحيازة والسيطرة” vs “الانعدام والحرمان والمصادرة”. في غالب الأحيان، وفي إطار هذا الصراع الطبقي غير المتكافئ، لا يقتصر طموح وفعل الطبقة القوية “كيفا /منهجا” و”فاعلية” على إخضاع والاستحواذ على الطبقة المنهوكة بل يتعداه إلى الرغبة الجامحة في دحر ودحق الطبقة الثانية والتي يعتمد وجودها/صراعها على “الكم/ العدد” و”التفرج” فقط حتى تصير بعيدة عن دائرة أي صراع طبقي متطلع إليه ومحتمل لتبدأ مراسيم الاحتفال ب”ملحمة السيطرة المطلقة” في كل أرجاء الدائر المخلصة من “شرور الصراع” بعد التحاق الطبقة المدحوقة/المدحورة بدائرة جديدة ذات شروط قاسية أبرزها انتفاء طموحات الرقي المعرفي والفكري الممهدة والمؤدية أساسا إلى الارتقاء الاجتماعي/الطبقي والمادي والمعنوي والسياسي .

تتشكل الطبقة المستحوذ عليها من عامة الناس وأساتذة وموظفين صغار وعمال وحرفيين الخ. رغم محدودية وسائلهم نظرا للحصار المعرفي والاقتصادي الممارس عليهم من طرف الطبقة المهيمنة تحدوا بعضهم الرغبة في التخلص من وضعهم الحالي لاعتناق أفاق معرفية وأكاديمية واقتصادية وسياسية تنسجم مع تطلعاتهم المتجددة التي لا يحتضنها مجال وحيز طبقة انتماءهم. وبحكم وجود طبقة شرسة شديدة الحرص على التحكم في كل منافذ الرقي والارتقاء الطبقي عن طريق السيطرة التامة على امتيازات وآليات تخول لها حرية (أو عبثية) إصدار قوانين جديدة (أو متناقضة) وإلغاء أخرى في أي لحظة (أو نزوة ), فمهمة التحول الطبقي (التسلق المشروع) لهذه الفئة يقتضي عملا قاعديا وأفقيا جبارا يجب أن ينطلق من فعل واع وملتزم أرضيته خلق “انفلات معرفي منظم” تباشره وتساهم فيه كل شرائح تلك الطبقة مع مراعاة طموحات وسرعة وإيقاعات الطبقة المهيمنة والعمل معها في مراحل متقدمة من المنافسة المعرفية/الفكرية واللحاق الثقافي/الطبقي على بلورة مشروع “الطبقة الواحدة والمشتركة والجامعة” أساسها “الوطن للجميع” وآلية الرقي الرمزي الوحيدة داخلها هي “المواطنة المنتجة ” وثروتها ورأسمالها المركزي هو “الإنسان الوطني”.

بيد أن دهاء الطبقة القليلة وحيطتها من أي انفلات محتمل لوسائل ممارسة واستمرارها هيمنتها واستحواذها (انفلات المعرفة والفكر) تجعلها تعمل بحزم مستغلة في ذلك هيمنتها على الوسائل التشريعية والقانونية لقطع الطريق أمام منتمين للطبقة العريضة ووضع حد لآمالهم وتطلعاتهم لتغيير طبقتهم الأصلية. وأنجع الطرق لضمان ذلك هي إشاعة الرفاه المعرفي والعلمي لدى منتسبي طبقتهم ومنع “حد التهكم” من أي طرف خارجي يرجوا المعرفة والعلم تأسيسا على مغزى الفكرة السابقة والقاضية بان امتلاك المعرفة مدخل أساسي للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأخطر من ذلك كله: الهيمنة النفسية/المعنوية .

تعتبر العدالة المعرفية أولى الخطوات نحو الديمقراطية والتقدم. فمعيار ديمقراطية وتقدم أي بلد يعكسه مدى وفرة وتنوع المؤسسات العلمية والثقافية والمساواة في توزيعها وسبل الاستفادة منها ونجاعة برامجها. ومنع المواطنين خاصة الموظفين الصغار مثل الأساتذة من ابتغاء سبل العلم تعميق للفوارق الطبقية ودحر لطبقة عريضة من المجتمع وصياغة مستقبلية لجهنم اسمه “الجهل المستفحل” الذي يوفر ويرعى ويصون شروط تحقق “جنة نخبوية على الأرض” بالنسبة للطبقة المستحوذة.

 

الروابط:

تصريح بنكيران حول أسباب منع الأساتذة من الدراسة :

(https://www.youtube.com/watch?v=WvX3WiDZ4KY)

 

حمزة الشافعي

أفانور/تنغير

09/10/2014

 

التعليقات مغلقة.