مساهمة الإدريسي عبد الرزاق الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم FNE ، في المائدة المستديرة الحوارية المنظمة من طرف الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان 15 يوليوز 2022 بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط حول «الوضع المتدهور للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمساس المستمر بالحريات العامة، وسبل التصدي والمواجهة»


في البداية باسم الجامعة الوطنية للتعليم FNE التوجه الديمقراطي أشكر الصديقات والأصدقاء في الكتابة التنفيذية للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان على فكرة وتنظيم المائدة المستديرة الحوارية المنظمة يوم الجمعة 15 يوليوز 2022 بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول «الوضع المتدهور للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمساس المستمر بالحريات العامة، وسبل التصدي والمواجهة»، وأشكركم على دعوتكم لنا وتكليفنا بمحور “الأوضاع الثقافية”.
بالطبع “الأوضاع الثقافية” بالمغرب، كسائر الأوضاع، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها متدهورة وليست بخير، كما أنه يمكن اعتبار أن الأزمة بالمغرب هي أزمة ثقافية أولا، بمعنى أن التعطيل الثقافي الحاصل بالمغرب، منذ عشرات السنين، هو في نفس الوقت نتيجة السياسات المتبعة في المغرب وفي نفس الوقت سبب لاستمرار هاته السياسات والأوضاع…
ورغم أن ترتيب الحقوق الثقافية أتت بعد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أتت بعد الحقوق السياسية والمدنية..، فإن الحقوق الثقافية بمفهوميها الواسع والضيق لها أهمية كبيرة بالنسبة للمجتمعات وهي ترتكز كثيرا على التربية والتعليم والتكوين والتثقيف والإبداع والنقد..
وبالنسبة لنا في المغرب الكل يقر على أن التعليم من الأولي إلى العالي يعيش أزمة بنيوية عامة، من بين تجلياتها الأمية المتفشية في المجتمع المغربي، حيث حسب المندوبية السامية للتخطيط (شهد شاهد من أهلها) سنة 2019، نسبة الأشخاص الأميين، نساء ورجالا بالمغرب، هي %35,9، أي حوالي 12565000 أمي وأمية، وأن هذه النسبة وسط النساء هي %46,1، وأن نسبة الأمية وسط الذين يبلغون من العمر 32 سنة وأكثر، هي %62,2 في حين هذه النسبة هي %76,5 في صفوف النساء من نفس الفئة العمرية. ومع الأسف القضاء على الأمية الأبجدية بالمغرب لا زال مؤجلا من طرف السياسات المتعاقبة وهو أمر لوحده طامة كبرى.
كما أن الانقطاع عن الدراسة بالمغرب لا زال يتصاعد، حيث أن حسب التتبع الفردي للتلاميذ المتاحة عبر منظومة مسار الرسمية، بالأسلاك التعليمية الثلاثة (السادسة ابتدائي والأولى إعدادي والثانية باكالوريا)، نهاية الموسم الدراسي 2020-2021 وصل عدد الأطفال الذين غادروا المدرسة 331558 تلميذة وتلميذا، بنسبة متوسطة للانقطاع 5,3%، وفي 2019-2020 وصل 304545 بنسبة متوسطة للانقطاع 5,0%، وحسب نفس المصدر الرسمي فإن مجموع التلميذات والتلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة بين 2014-2015 و2020-2021، أي خلال سبع سنوات، وصل 2327761، أي بمعدل سنوي، خلال نفس الفترة، وصل 332537، والمشكل الكبير، وبسبب الضعف الكبير لمكتسبات التلاميذ، فإن المنقطعين سرعان ما يلتحقون بجيش الأمية..
أما بالنسبة لغير المنقطعين فمع الأسف السياسات المتبعة أدت إلى جعل التعليم بالمغرب لا يقوم بدوره في النهوض بأدواره التثقيفية وحتى التربوية الأساسية وبالأحرى الابداعية والنقدية..
وفي إطار الصراع السياسي بالمغرب، ومنذ أواسط الستينات، عملت الدولة في اتجاه الأدوات التثقيفية والتربوية، من جمعيات ثقافية وأندية تربوية وتثقيفية (الأوراش/ الرياضة/ القراءة/ المسرح/ السينما/ الشعر/ الموسيقى/ الغناء/ القصة/ الرواية/ التشكيل…)، بدور الشباب ودور الثقافة وبالمؤسسات التعليمية والمخيمات..، (عملت الدولة) إما على احتواء هاته الأدوات أو على التضييق عليها ومحاصرتها وعلى أنشطتها الثقافية والتربوية والفنية.. بل ومنعها أو عدم الاعتراف بها القانوني وحرمانها حتى من وصولات الإيداع القانوني من طرف السلطات، بل وصل الأمر إلى اعتقال مناضلين جمعويين.. وفي المقابل عملت الدولة بكل مجهوداتها البشرية والمالية واللوجيستيكية على تأسيس جمعيات جهوية عُرِفت بجمعيات الوديان والأنهار، كبديل للعمل الجمعوي التطوعي التأطيري التربوي والتثقيفي والفني للأطفال والشباب والرجال والنساء، لكن هاته المؤسسات الشبه الرسمية لم تلعب دورها وباءت بالفشل الواضح رغم التسهيلات والامكانيات الكبيرة المتوفرة من طرف الدولة..
وبالنسبة للغة والثقافة الأمازيغيتين فمع الأسف رغم دسترة وترسيم اللغة الأمازيغية سنة 2011، بعد حراك 20 فبراير، لا زال التفعيل حبيسا بل حصل تراجع على عدة مستويات كمجال تدريس اللغة الأمازيغية…
أضف إلى كل ذلك، قبل جائحة كورونا وخلالها ثم إقفال دور السينما والمسارح ودور الشباب والثقافة وتوقيف المهرجانات والعروض الفنية والثقافية..، ومشاكل الإعلام والصحافة الورقية والرقمية والكِتاب وضُعف النشر وضعف الإقبال لضعف الإقبال على القراءة في المجتمع المغربي حيث أن معدل وقت القراءة للفرد في المغرب لا يتجاوز دقيقتين في اليوم.. وأن الصحف المغربية في مجموعها تبيع حوالي 200000 نسخة يوميا لساكنة المغرب البالغة نحو 35 مليون نسمة، أضف إلى ذلك التضييق على الصحفيين وتلفيق التهم لهم، ودفع مقاولاتهم إلى الإفلاس… وهجرة المثقفين والصحفيين والكتاب إلى المشرق أو أوروبا وبالعالم..
والتخوف الإضافي الكبير: هو ثقافة وسياسة التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، بجميع أنواعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والفنية والتربوية والعلمية والرياضية والإعلامية…، والذي يجب مواجهته في كل الأحوال.
كما أن الأوضاع السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.. بالمغرب تزداد تدهورا وتعقيدا مع ضعف القدرة الشرائية للشعب المغربي وتراجعها بالزيادة في الأسعار المتتالية والتنقيص من الأجور ومن مناصب الشغل، خصوصا أننا الآن، أكثر من أي وقت مضى، أصبحنا في المغرب مع مسؤولين على مستوى الدولة والحكومة ويملكون جل الشركات والسلع والخدمات بشتى أنواعها وأن أوسع الشعب هو زبون لهاته الشركات، ومطروح علينا أكثر من أي وقت مضى، كقوى سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية.. أن نضع حدا للحسابات الضيقة للبعض الذي ينتظر من الدولة أن تمنحه حلولا لمشاكله لأنه لا ينخرط في، ويبتعد عن، الاحتجاجات التي لا تخص مباشرة مطالبه الخاصة..، ومطروح علينا الدفاع عن قضايا ومصالح أوسع الجماهير الشعبية المغربية، وتوحيد الجهود وتوسيعها وتوحيد الاحتجاجات الاجتماعية، خصوصا في إطار “الجبهة الاجتماعية المغربية”، التي تحتاج إلى التقوية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، تنظيميا ومطلبيا واحتجاجيا.. ونفس الأمر يتعلق بالعمل داخل “الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع”.

التعليقات مغلقة.