قضية أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية بالمغرب

في ظل المعطيات التي يمررها مسؤولوا الحكومة بصفة عامة، ووزير التربية الوطنية بصفة خاصة بخصوص مطلب أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية بتسوية وضعيتهم الإدارية والقانونية والمالية.
يأتي هذا الملف الموجه لكل الهيئات الحقوقية والنقابية والسياسية والجمعوية، والى كل مهتم بقضايا فئات المجتمع المغربي: برلمانين، محامون، صحافة، أحزاب، المجتمع المدني والحقوقي… الخ لتسليط الضوء على الوضعية الحقيقية لهاته الفئة حتى تتضح وضعيتهم.
إن هذه الفئة تؤدي دورها النبيل في تعليم أبناء الشعب في أقصى مناطق المعرب العميق تماما، كما يؤديها الأستاذة الرسميون وفي نفس المكان (المدرسة العمومية) وبأجور زهيدة.
كما أنها امتداد لفئات سابقة: (الخدمة المدنية، المتطوعون، العرضين، منشطي التربية غير النظامية) عملت الحكومات المتعاقبة على تسوية وضعيتهم في سلك الوظيفة العمومية.
ورغم توالي سنوات التجربة الميدانية التي راكمها أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربة غير النظامية، وقبولهم التكوينات التي قد تبرمجها الوزارة لتحسين أدائها، فان الحكومة الحالية تنصلت من التزامها إيجاد صيغة قانونية لتمكنيهم من ولوج مراكز التكوين بغية تسوية وضعيتهم القانونية والإدارية والمالية.
وعليه فان هذا الملف يبقى مفتوحا أمام كل مهتم من أجل تبنيه، والدفاع عنه أو التضامن معه.
يشكل مجال التربية والتكوين رهانا كبيرا من أجل تنمية بلادنا، باعتباره يحتل المرتبة الثانية بعد قضية الوحدة التربية من حيث الأولويات الوطنية للبلاد وعلى هذا الأساس فقد عرف عدة إصلاحات منها:
المخطط الخماسي الأول: 1960-1964
المخطط الخماسي الثاني: 1968-1973
مناظرة ايفران سنة 1972
المخطط الخماسي: 1981-1985
مخطط المسار: 1988- 1992
المخطط الوزاري لسنة 1995
ميثاق الراحل مزيان بلفقيه في 2000
المخطط الاستعجالي في 2008.
والقاسم المشترك بين هذه المراحل هو غياب أي وضوح فيما يخص العنصر البشري للمنظومة والمتمثل في الأطر التعليمية.  فالوزارة في إطار المخطط الوزاري لسنة 1995، وفي برنامج الإصلاح الذي انطلق مند سنة 2000، عملت على تدارك النقص الهائل الحاصل على مستوى تمدرس الأطفال المغاربة، عبر وسائل انصب أغلبها على بناء مؤسسات تعليمية على شكل أقسام فرعية مفككة في مناطق نائية ومنعزلة في أوساط قروية، يدعو تقريب المدرسة من التلاميذ، في وقت بقيت فيه وضعية رجال ونساء التعليم على حالها دون أي اهتمام.
وما نلاحظه من خلال البرنامج ألاستعجالي لا يشكل استثناء بل هو استمرار لمشكل خطير في تعامل الوزارة والحكومة السابقة مع قضايا المنظومة التعليمية، ورهان تعميم التمدرس وتوسيع العرض التربوي مند السبعينيات من القرن الماضي، ويتلخص هذا المشكل أساسا: في غياب أي تصور متكامل لتعميم التمدرس يأخذ بعين الاعتبار دور الأطر التعليمية والعمل على تحسين أوضاعها وظروف عملها بالوسط القروي.
ولعل وضعية أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية خير دليل على ما نذهب إليه من غياب أي وضوح في تفعيل دور العنصر البشري في الرقي بالمنظومة التعليمية، وبالتالي فقد فشلت كل الإصلاحات بشهادة الجميع بدءا من أعلى سلطة، ووصول إلى متلقي العملية التعليمية أنفسهم، نقصد المتمدرسين الذين يستشعرون لا جدوى حضروهم وانتظامهم، والمجلس الأعلى للتعليم عبر عن ذالك صراحة، ووزراء التعليم أيضا، ناهيك عن مختلف المتدخلين في الشأن التربوي عموما.غير أن الكل يلتقي باللائمة على الأخر على الأساتذة الدين أو صدوا أبواب الفصول في وجه الإصلاح لافتقادهم القدرة على التجديد والابتكار،على الأسرة التي لا تواكب سيرورة العمليات التربوية،على المجتمع المدني الذي لم يستطع بعد مسايرة نفس الإصلاح والأوراش، تم على شيء استحدثوه هذه الأيام سمي بالديماغوجية في القطاع.
لقد ظهرت فئة العرضيين وفئة أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية نتيجة الخصاص المهول في الأطر التعليمية، و”عجز الميزانية العامة عن إحداث مناصب مالية إضافية ” بسبب استنزاف المديونية الخارجية لثروات البلاد، ليتقدم البنك الدولي في تقريره حول التعليم بالمنطقة 2008 بحل يحمل عنوان “زيادة المرونة وتحسين الأداء” ومعنى ذلك إذا ترجم إلى لغة البشر: تكثيف استغلال المدرسين مع قضم شبه كلي لحقوقهم الاجتماعية. وكل هذه الفئات اشتغلت بناء على مراسلات وزاوية وتم تسوية وضعيتها بمذكرات وزاوية.
ولتأكيد ما نقول فإن فئتنا العرضيين ومنشطي التربية غير النظامية مثالا لا حصرا قد تم تعيين عدد هائل منهم في التعليم الابتدائي:
أزيد من 4700 أستاذ عرضي بناء على المراسلة الوزارية رقم 311424 بتاريخ 08/09/1999 وتم تسوية وضعيتهم الإدارية بناء على المذكرة 67/67/1 وتسميتهم في إطار أساتذة السلك الأول الدرجة 3 السلم 9 ابتداء من 04/09/2002 بالنسبة للفوج الثالث والرابع من أصل خمسة أفواج.
أما فئة منشطي التربية غير النظامية فقد تم إدماج وتسوية وضعية 1222 منهم بناء على رسائل منها:
الرسالة الوزارية عدد 18/12 بتاريخ 20 يناير 2012 ورسالة الوزير الأول عدد 00747 بتاريخ 04 ابريل 2011 ثم رسالة وزارة تحديث القطاعات العانة رقم 002636 بتاريخ 22 ابريل 2011 ورسالة السيد الوزير الأول عدد 957 بتاريخ 25 ابريل 2011
في إطار استمرار معضلة النقص الهائل في الأطر التعليمية التجأت الوزارة المسؤولية عن القطاع إلى نهج أساليب ملتوية في حل هذا الإشكال ففي الوقت الذي كانت النيابة التعليمية بزاكورة مثلا تتعاقد مباشرة مع حاملي الشواهد الجامعية بشكل مباشر وطوال سنوات متتابعة بشكل تلقائي يسهل عملية التكوين الميداني والأساس القانوني لعملية التسوية القانونية والمالية والإدارية، أصبحت تفحم أطراف مختلفة في هذه العملية بشكل مهين للأساتذة والتلاميذ المعنيين فيضطر الأساتذة العاملون بجدية في هذا السياق إلى خوض معارك نضالية في بداية كل مواسم فقط من اجل تجديد التعاقد وإنقاذ أنفسهم من البطالة المفروضة قصرا بسبب السياسة الطبقية السائدة، مما يتسبب كذلك في ضياع الشهور الأولى في الحياة الدراسية للاف التلاميذ. إن مشاركة مجموعة من جمعيات المجتمع المدني والمجلس الإقليمي كمؤسسة تمثيلية منتخبة وفاقدة للسلطة الكافية خصوصا في القرار المالي. لن يحل المشكل على اعتبار إن وزارة التربية الوطنية هي المسؤولة الفعلية على توفير المواد البشرية الكافية في إطار ميزانيتها التي تتميز هذه السنة بثلث الناصب المالية (8000 منصب مالي) وعليه فإن تعميق النقاش أولا: بخصوص هذه القضية ومساهمة جميع الفقراء في البحث عن حل عادل ونهائي لها هو حده الكفيل بإنصاف التلاميذ ومئات الأساتذة وانقاد المدرسة العمومية من الأخطار المحدقة وفي مقدمتها الإجهاز على مبدأ المجانية في إطار استمرارية المرفق العمومي.
ومن جانبنا في تنسيقية درعة لأساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية وغيرها من الإطارات المناضلة من أجل تعليم عمومي مجاني وجيد نلتزم باستمرار المعركة النضالية من أجل حقنا في التسوية المالية والقانونية والإدارية وندعو المنظمات الحقوقية السياسية والنقابية إلى مزيد من التعبئة والدعم بهذا الملف الحيوي، ونرى أن دورا المجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة يجب أن يكون معقلنا إضافة ايجابية إلى مجهودات باقي الفاعلين لتحقيق نفس الأهداف السامية.

المنظور الحقوقي

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللبنة التي بنيت عليها منظومة حقوق الإنسان ككل،وهي تمثل تلك المثل العليا المشتركة بين الأمم، والتي لها قوة القانون وتسمو على التشريعات الوطنية والإقليمية…و الغرض منها ضمان السلم والاستقرار العالميين وكذلك تمتع الإنسان بحريته وكرامته الإنسانية…ولكن صيانة هده الكرامة والحرص على عدم انتهاكها ليس حصرا في المجالات المعنوية المرتبطة بالحقوق السياسية والمدنية فقط بل تتعدى ذلك لتشمل شروط صيانتها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا…

وقد نص الجيل الثاني من حقوق الإنسان الذي يعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتويجا له، على حماية الأفراد داخل المجتمعات من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فهذا العهد يعترف بحق كل إنسان في العمل القار الذي يضمن له كرامته الإنسانية، بل أكثر من ذلك يلزم الدول الموقعة والمصادقة عليه على إنشاء برامج وسياسات تضمن تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مستدامة وقارة ووظيفة منتجة في شروط تضمن للأفراد التمتع بالحريات الاقتصادية والسياسية وفق شروط عمل عادلة ومرضية.

* أساتذة سد الخصاص ومنشطو التربية غير النظامية والحق في العمل.

فئة أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية، ولعدم توفرها على شروط العمل العادية فإنها تعتبر مظهرا من مظاهر البطالة ‘’المقنعة ‘’. والحق في العمل من أهم الحقوق الاقتصادية التي يجب أن يتمتع بها الفرد كعضو في المجتمع باعتبارها مرتبطة أشد الارتباط بالكرامة الإنسانية التي هي حجر الزاوية في قيام منظومة حقوق الإنسان.

والعمل هو إحدى الضرورات الأساسية لتطور المجتمع، وهو في نفس الوقت ضرورة للفرد من حيث انه مورد الرزق بالنسبة لفئات عريضة من السكان. والعمل الفردي سواء كان عضليا أو ذهنيا عبارة عن طاقة يبذلها الأجير، سواء كان مستخدما أو عاملا أو موظفا، ويتلقى بديلا عنها تعويضا ماليا تتفاوت قيمته حسب القطاع ومستوى العمل ومردوديته.

وقد أشارت المواثيق الدولية إلى أن الشغل حق لكل شخص، كما نص على ذلك الإعلان العالمي للحقوق الإنسان ‘’لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختياره بشروط عادلة ومرضية كما أن له حق الحماية من البطالة‘’ المادة 23. وكــذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته السادسة‘’ تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره آو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لضمان هذا الحق.

* أساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية كمظهر من مظاهر العمالة الهشة وحقوق الإنسان تتميز العمالة الهشة المؤقتة بغياب أي حقوق وامتيازات اجتماعية موازية) الحق في الضمان الاجتماعي، الرعاية الصحية… (وغياب أيضا للحماية القانونية مع تدني للأجور. والعمالة الهشة هي ظاهرة أكثر ضحاياها هم المهمشون أصلا ! فأساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية ينحدرون من أوساط وأسر فقيرة ومتدنية الدخل، وأمام تفشي البطالة وعدم جدية الدولة في اتحاد تدابير وإجراءات جدية بغية القضاء على الظاهرة لم تجد هذه الفئة من سبيل سوى القبول بذلك الأجر الزهيد غير المعفى من الضرائب والاقتطاعات من أجل سد رمقها والهروب من براثن البطالة المفروضة قسرا.

وقد ذهبت المراجع الحقوقية الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى الاعتراف بأن ‘‘لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل ومرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه عند اللزوم وسائل أخرى للحماية الاجتماعية’’ المادة 23. بل أكثر من ذلك.

رضوان لحميدي/ تنسيقية درعة زاكورة لأساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية

التعليقات مغلقة.