وزارة التربية الوطنية وجهاز التفتيش أو عندما يُستَبْلَد المفتش

وزارة التربية الوطنية وجهاز التفتيش أو عندما يُستَبْلَد المفتش

اتسمت العلاقة بين وزارة التربية الوطنية وهيئة التفتيش بمد وجزر؛ بحسب توظيف الوزارة لهذا الجهاز الذي يجب أن يكون على الأقل مستقلا نظريا. لا زلنا نتذكر الوقفات الاحتجاجية للمفتشين أمام الوزارة في أيام المالكي وخشيشن؛ لكن سرعان ما انخفضت وتيرة هذه الاحتجاجات بإشراك أطر التفتيش في مشاريع المخطط الاستعجالي. وبالنسبة للوزارة كان هناك توتر في بداية الحكومة الحالية؛ لنتفاجأ اليوم بعلاقة تطبعها لقاءات وحوارات “جهوية”، تطرح العديد من الأسئلة. فما هي دلالات هذا الانفتاح المفاجئ للوزارة على التفتيش بعد تصريحات سابقة بأن جهاز التفتيش لا يقوم بمهامه بل ويمكن الاستغناء عنه حسب ما جاء في وسائل الإعلام؟ وما موقع أطرنا الذين سيتواجدون في هذه الفئة وخصوصا الملتحقين الجدد الذين كانوا ينتقدون التفتيش التربوي أشد انتقاد؛ بل ويوجهون الشتائم لنقابة هذه الفئة؟

في العديد من تصريحات؛ المسؤول الأول على القطاع الحكومي المكلف بالتعليم؛ كانت صفة المراقبة التربوية هي الأكثر ترددا مع تغييب مفهوم التأطير، الأمر الذي يمكن أن يؤشر على:

1.      أن الوزارة تعرف جيدا أن هذا الجهاز بكل مكوناته لن يستطيع القيام بعملية التأطير بالمعنى المتعارف عليه؛ ولأنها في حملاتها الدعائية تركز على الجانب الظاهر في التعليم ولا تستطيع التعمق أكثر في معالجة الإشكاليات الجوهرية للتعليم؛ فإنها ستستغل جهاز التفتيش لدور المراقب الذي يحرر تقارير حول اختلالات ستنسب لهيئة التدريس أو الإدارة في حين هي مرتبطة بأزمة عامة عمرت طويلا؛

2.      إمكانية خلق علاقة سيسميها المفتشون مستقبلا –ليس كلهم بطبيعة الحال- علاقة تربوية وتفهم للوزارة بالدور المحوري لهذه الهيئة؛ وطبيعي أن يرافق هذه العلاقة توابل التعويضات وشيء من البهرجة في المؤسسات وقاعات الاجتماعات؛ والمقابل من طبيعة الحال هو التمرس على عمل “الأواكس” المطيع؛ والتخفيف أو الإعفاء من مهام التأطير التي يتخوف منها الكثيرون؛

3.      إمكانية الاصطدام مع مخطط الوزارة؛ الذي يمكن قيادته من طرف المناضلين الحقيقيين لهيئة التفتيش والتي ترى أن مهامها في التأطير أولا؛ وهنا ستتوضح الأمور ويفرز المفتش التربوي الحقيقي ويعرى المتطفل الانتهازي الذي لاتهمه سوى التعويضات والعجرفة؛

4.      توتر العلاقة التربوية بين هيئة التفتيش والهيئات الأخرى وسيحتفظ المؤطر الحقيقي بمكانته الاعتبارية؛

5.      اختزال الهيئة في المراقبة وتغييب مهام التأطير التي تشكل نسبة كبيرة من مهام المفتش( المذكرات 114-115-116-117) ومذكرة العمل المشترك 113؛

6.      علاقة تصادم بين الهيئة ومديري المؤسسات؛ فكل التسريبات حول النظام الأساسي تفيد أن إطار مفتش إداري هو الإطار الجديد للمدير؛ وبالتالي سيكون من حق المدير المطالبة بتمتعه باستقلالية جهاز التفتيش ، وان تفتيشه من حق المفتشية العامة وليس لجنة نيابية، وهذه العلاقة المتوترة بين المفتشين والمديرين ستكون لصالح الوزارة التي ستتخلص من احتجاجات هؤلاء وتشويه الصراع الذي لن يكون مع الوزارة ولكن سيصبح بين هاتين الفئتين؛

أخدا بعين الاعتبار ما سبق ما هي مسؤوليات النقابات فيما كان وفيما يمكن أن يكون؟ الجواب على هذا السؤال يمكن تناوله كما يلي:

7.      تتحمل النقابات الأكثر تمثيلية مسؤولية تاريخية لأنها لم تهتم بفئة المفتشين في فترات تاريخية بحكم عددها القليل والتركيز على العدد في الانتخابات وتقوية القواعد بالكم عوض الكيف؛ مما جعل هؤلاء ينتظمون في نقابات فئوية؛

8.      غياب التكوين النقابي وعدم خلق المنخرط المقتنع بالمبادئ النقابية العليا؛ عوض تكريس واقع المنخرط المؤمن بملف مطلبي وحيد ويتيم؛ يجعله في أية لحظة يرحل من نقابة لأخرى؛

9.      ديلية النقابات للأحزاب السياسية وبيروقراطيتها وتركيزها على التعبئة، ليس من أجل المطالبة بالحقوق ولكن من أجل الانتخابات الجماعية والبرلمانية؛ وضرب الفئات ومطالبها عرض الحائط؛

10.يمكن للنقابات ان تظهر في موقع ضعف بمقابل ما تم “منحه” لنقابات فئوية في إطار تكتيك الوزارة من أجل القضاء على “أسطورة” النقابات الأكثر تمثيلية؛

من جهة أخرى ما موقع الملتحقين الجدد بهيئة التفتيش؛ وأقصد بهم أطر التوجيه والتخطيط التربوي الذين مروا للدرجة الأولى بامتحان مهني أو بالاختيار؛ وهذا حقهم القانوني بموجب نظام 85 (تمت مصادرة هذا الحق في نظام 2003 ؛يعني خريجو ما بعد 2004 لم يصبح ذلك من حقهم، رغم نفس التكوين والمسار وهم ضحايا توقيع منتصف الليل للنقابات على نظام 2003)؟

11.معظم الذين غيروا الإطار التحقوا بالتنظيم النقابي للمفتشين كانوا اشد انتقادا لهذا الإطار ولم نكن نتصور هذا التغير المفاجئ في المواقف؛ ولم نكن نتصور هذا الجحود لمنسقية تشكلت من النقابات الأكثر تمثيلية دافعت و”حققت مطالبهم”، أما الآن فقد ماتت المنسقية وتركت هذه النقابات لحالها ولم يبق في مواقعه إلا المناضلين -وهم قلة قليلة- الذين تحركوا بقناعة النقابي المخلص لنقابته؛ لكنهم تركوا لوحدهم. وللتاريخ فقد تبين أن المناضلين الحقيقيين كانوا قلة وأن الذاتية كانت تحرك الأغلبية؛

12.كيف سيتعامل المفتشون حاملو الدبلوم في التوجيه والتخطيط مع هذه المستجدات، وهي فئة عانت من تهميش كبير داخل المنسقية السابقة الذكر ومن النقابات بحكم عددها القليل وبحكم عدم تنظيمها؛ رغم امتياز الدبلوم؛ وهل سيفرضون تكوينهم؛ فالتوجيه صنف في التفتيش التربوي بعد التلميحات باجتثاث هيئة التوجيه والتخطيط؟ وفي هذه الحالة هل سيعملون على أجرأة “النقل الديداكتيكي” للتوجيه؟؛ وتنزيله من الثقافة العالمة إلى مادة تدرس (وهي فضيحة ستكون دولية ومدوية)؛

13.المنسقية ركزت على ملف مطلبي نفعي ولم تكن تفكر يوما في بناء هيئة التوجيه والتخطيط التربوي والدفاع عن الهوية؛ مما جعلها ضعيفة أمام كل المستجدات؛ والدليل هو الشرخ العميق الذي تعاني منه اليوم؛

14.موضوع التمهين في التوجيه والتخطيط سيحرج الكثيرين لأن الخوض فيه سيجعل المستشار أكثر تأثيرا؛ بحكم المهام التي يجب إسنادها له والمناسبة لتكوينه.

يمكن إذن استنتاج أن الوزارة تعرف كيف ستوظف جهاز التفتيش، وقد تجد صعوبة في ذلك فهناك أطرا تمرسوا مع الوزارات السابقة بدفاعهم على الهوية المهنية للتفتيش؛ لكن التوظيف السياسي للوزارة لهذا الجهاز يمكن أن ينجح بفعل ضغط الملتحقين الجدد؛ أما هيأة التوجيه والتخطيط فكل المؤشرات تدل على انقراضها وعلى الانتصار الكاسح للوبيات المتمكنة في الوزارة في ضرب هذه الهيئة لأنها تعرف جيدا أن هذه الهيئة إذا مارست مهامها الأساسية ستفضح المسؤولين فيما يخص عجز الدولة في تبني مفهومي التوجيه والتخطيط في ظل أزمة التعليم (الاكتظاظ – ضعف البنية التحتية – انعدام الجودة – ضعف النتائج – الترتيب المتأخر للمغرب في روائز الرياضيات والعلوم – ضعف إمكانيات الاستقبال في سوق الشغل…).

حسن بوقبوشة

مستشار في التوجيه التربوي

قلعة السراغنة

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.