بعض مظاهر الديمقراطية داخل الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي

Melly-med-fne-soualem-sidi-rahal

بعض مظاهر الديمقراطية داخل الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي

27 يناير 2015

لقد انتهى النزاع داخل الاتحاد المغربي للشغل إلى ظهور حركة نقابية ديمقراطية أطلقت على نفسها اسم التوجه الديمقراطي وهو اسم تميز به نفسها عن التوجه الذي يسيطر اليوم، وبتواطؤ مع بعض القوى الرجعية، على هياكل الاتحاد المغربي للشغل، هذا التوجه الذي أَطلق عليه التوجه الديمقراطي اسم البيروقراطية للدلالة ليس فقط على الاستبداد الذي يُميز رموزه ولكن فسادهم الذي أصبح باديا للعيان، خاصة بعد التحقيق الذي باشرته السلطات مع أحد أهم رؤوسه.

هدفنا في هذا المقال ليس إبراز فساد التوجه البيروقراطي، ففساد بيروقراطية الاتحاد ظاهر ولا يمكن لأي ذي عقل وضمير أن ينكره، ولكن هدفنا هو التحقق من الصفة التي يطلقها على نفسه التوجه الآخر والمتمثلة في صفة الديمقراطية. فإلى أي حد يمكن أن نسلم بهذا الأمر؟

سننطلق في تحققنا من هذا الأمر من الواقع الذي تعيشه الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي، من أجل إبراز بعض الأوجه المضيئة من صفحاتها النضالية والتي لا يمكن أن ينكرها أي متتبع للشأن النقابي في البلاد. إن الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي، مند أن تم تجديد مكتبها الوطني وهي تقدم الدروس في النضال الجاد والهادف إلى خدمة نساء ورجال التعليم وإعادة الاعتبار إلى النضال الشريف، الذي قتلته التنظيمات النقابية الحزبية والبيروقراطية المتعفنة، التي استغلت نساء ورجال التعليم من أجل الوصول إلى مراكز اتخاذ القرار والاستفادة من الريع النقابي الذي يسيل لعاب المفسدين.

ديمقراطية الجامعة الوطنية للتعليم تظهر أولا على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، ذلك أنه وإيمانا منها بدور القاعدة في بناء المشروع القادر على تحقيق الكرامة لنساء ولرجال التعليم، قامت الجامعة بتجديد فروع، جمدتها البيروقراطية، وبعثت فيها الروح النضالية من خلال منحها صلاحية اتخاذ القرار على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، دون أن يفرض عليها المكتب الوطني وصاية أو حصارا يجعلها خاضعة لقراراته ورؤيته الإستراتيجية. وفي هذا الصدد احترمت الجامعة شعار صلاحية المكاتب المحلية والإقليمية والجهوية في اختيار كافة الاستراتيجيات والبرامج والأشكال النضالية التي ترى أنها كفيلة بتحقيق كرامة نساء ورجال التعليم إقليميا ومحليا وجهويا. الشيء الذي أنعش تلك المكاتب وحفز المناضلين وشجع فئة عريضة من رجال ونساء التعليم على الانخراط في العمل النقابي الجاد بعدما اكتفوا فيما قبل بالملاحظة والنقد من بعيد.

ديمقراطية الجامعة الوطنية للتعليم تظهر أيضا من خلال مسلسل تشكيل المكاتب المحلية والإقليمية والجهوية في العديد من المناطق. فلا يكاد يمر علينا يوم حتى نسمع عن تشكيل مكتب محلي أو إقليمي في هذه المدينة أو تلك، وما كان لذلك أن يحدث لولا إحساس نساء ورجال التعليم بجدية العمل النقابي الذي تدعو إليه الجامعة والذي لا يمكن أن يتم إلا من خلال انخراط الكل فيه. وهكذا أصبح بإمكان أستاذ السلك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي والمبرز والمساعد التقني والملحق والمتصرف والمحضر… أصبح بإمكانه أن يمارس العمل النقابي وأن يدلو فيه بدلوه، بل أصبح من حقه أن يعبر عن رأيه وأن يشارك في اتخاذ القرار الذي يهمه محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، وأصبح من حقه، باعتباره مناضلا ديمقراطيا، أن يحضر اجتماعات التفاوض والحوار ولقاءات فض النزاعات والدفاع عن الحقوق التي تجمع مكتبه بالمسؤولين عن القطاع أو غيرهم، والتي كانت فيما قبل حكرا على أعضاء المكاتب الذين تاجروا بمصير نساء ورجال التعليم. ولقد ساهمت هذه الشفافية بدور كبير في إعادة الثقة إلى نفوس أعضاء أسرة التعليم في العمل النقابي.

تظهر ديمقراطية الجامعة الوطنية للتعليم، ايضا، من خلال الانخراط الفعلي للشباب في هياكل الجامعة على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي وحتى الوطني. إذ أن النسبة الكبرى من أعضاء المكاتب وأيضا المنخرطين في الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي، تنتمي إلى الجيل الأخير من رجال التعليم، أي الشباب الذين لا يتجاوز سنهم أربعين سنة، وهي الفئة التي تميزت من قبل بمقاطعتها لكل التنظيمات السياسية والنقابية بعدما فقدت الثقة في فاعليتها وقدرتها على تحقيق مطلب التغيير الذي من شأنه أن يوفر لأسرة التعليم الكرامة اللازمة للحياة. هذه الفئة التي كانت متعطشة لتنظيم قوي، يعبر عن رؤيتها ونظرتها للوضع التعليمي في البلاد ويفتح لها آفاق المشاركة في صناعة المشهد النقابي في بلد فقد فيه النضال قيمته بسبب اتجار المحسوبين عليه بمصالح الطبقة الشغيلة، وجدت هذه الفئة ضالتها في الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي، ولعل تأسيس التنظيم الشبابي اتحاد شباب التعليم بالمغرب JEM أهم تمظهر لهذه الديمقراطية التي تفتح للشباب باب التكوين والتتبع المباشر لخطوات المكتب الوطني بل وتوفر لهم فضاء تتفتح فيه رؤيتهم من أجل التمكن من بناء المشهد النقابي لمغرب الغد، المغرب، المتطلع للديمقراطية والمتشبع بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة …

من مظاهر ديمقراطية الجامعة الوطنية للتعليم أيضا صعود القرار الوطني من القاعدة التي تمثلها المكاتب، المحلية والإقليمية والجهوية، صعوده إلى المستوى الوطني من أجل التطبيق. فقرار المشاركة في الإضراب الوطني ،مثلا، لا يتخذ بشكل فوقي، وإنما يتم تداوله في المكاتب المحلية التي ترفع رؤيتها وتقاريرها إلى الفروع الإقليمية ثم الجهوية وصولا إلى المكتب الوطني الذي لا يمكن أن يقرر دون الرجوع إلى اللجنة الإدارية، وهي أجهزة مهمتها تطبيق قرارات المجلس الوطني الذي يعرف جيدا تطلعات المكاتب التابعة للجامعة الوطنية للتعليم. ولعل هذا هو ما يجعل الرؤية موحدة بين مناضلي الجامعة الوطني للتعليم التوجه الديمقراطي فيما يخص القضايا التي تخص الشأن التعليمي في المغرب. وكدليل على ذلك، نذكر اعتراف المسؤولين عن القطاع محليا وإقليما ووطنيا بالرؤية الموحدة التي دافع عنها مناضلو الجامعة خلال اللقاءات التشاورية الخاصة بإصلاح منظومة التعليم.

من مظاهر الديمقراطية داخل الجامعة الوطنية للتعليم أيضا انصهار كافة الاتجاهات، السياسية والإيديولوجية والمذهبية والفكرية، وتعايشها داخل الجامعة، وحرصها على استمرار الاستقلالية عن أي حزب أو توجه ونظرية أو غيرها. فداخل الجامعة يوجد مناضلون ومنخرطون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومستقلون وإسلاميون وعلمانيون وغيرهم… دون أن يكون لأي واحد منهم هدف في السيطرة والتأثير على الجامعة، فهي لا تتلون بلون جماعة أو فئة أو حزب، فالجامعة شعبية وللشعب، مستقلة عن كل فكرة وتيار وتنظيم وهذا مصدر قوتها وستبقى قوية ما حافظت على هذه الميزة التي تجعلها مختلفة عن باقي التنظيمات.

و لعل أهم تجل لديمقراطية الجامعة الوطنية للتعليم هو مشاركة النساء في كل ما يخص الجامعة من نضال ونقاش وحوار أو قرار، بل إن ديمقراطية الجامعة تعززت بتأسيس اتحاد نساء التعليم بالمغرب UFEM، الذي يضم خيرة أطر التربية من نساء التعليم اللواتي برهن بالملموس عن قدرة تأطيرية وفكرية قادرة على إبراز ما قامت البيروقراطية بإخفائه طيلة سنوات سيطرتها على الإتحاد. فقد أصبح بإمكان نساء الجامعة الوطنية للتعليم أن يجتمعن في إطار تنظيمي يهتم بتحقيق الكرامة لنساء التعليم وتحقيق المساواة التي ظلت طيلة سنوات البيروقراطية شعارا يرفع في المحافل من خلال وضع بعض المناضلات في منصات المؤتمرات أو بعثهن للدورات التكوينية التي لا يسمح لهن من بتطبيق ما تلقينه فيها داخل الاتحاد. ولكم أن تطالعوا بيانات هذا التنظيم النسائي الفريد من نوعه في المغرب من أجل التأكد من ديمقراطية الجامعة الوطنية لتعليم التوجه الديمقراطي .

إن الديمقراطية الداخلية التي تتميز بها الجامعة الوطنية للتعليم، التوجه الديمقراطي، ليست مجرد صفة أو اسم أو شعار، إن ديمقراطية الجامعة سلوك يمارس داخل هياكلها ومكاتبها بشكل يومي، فعاشت الجامعة الوطنية ديمقراطية مستقلة شعبية، ودامت رؤوس مناضليها مرفوعة لا هي مشتراة ولا هي مبيوعة.

اترك تعليق

لن يتم نشر أو تقاسم بريدك الإلكتروني.